هل للغضب أنواع؟! هذا ما حاول الإجابة عنه "يسري أبو العنين" في قصته "غضب مختلف"

هل للغضب أنواع؟!

هذا ما حاول الإجابة عنه "يسري أبو العنين" في قصته "غضب مختلف"

الغضب والقلق والخوف والبكاء مشاعر إنسانية حاضرة وبقوة داخل قصة "غضب مختلف"، تطرح قصة "غضب مختلف" للقاصّ "يسري أبو العنين" إشكالية اجتماعية؛ ألا وهي طمع الناس في السيدة التي سافر عنها زوجها، وبالمقابل غيرة الزوج المغترب، وخوفه عليها وعلى أولاده بالمقابل يشعرها بالغضب، كما يحاول الكاتب في قصته الإجابة عن التساؤل "هل للغضب أنواع؟!"، وهذا يتضح في العبارات السردية التالية:

♦ حين سألها زوجها: من جاء معك؟ فقالت: أمي، رغم أنها حين خرجت من باب السنترال، لم يكن معها إلا طفلاها.

♦ أحيانًا كانت تغضب بشكل حقيقي؛ حين كان يوصيها على الأولاد، وكانت تجد في ذلك نظرة غير مقبولة لها كأم، ليس لأنهما ولداها؛ ولكن لإحساسها بمسئولية الحفاظ عليهما حتى يرجع، ولا بد أن يعلم الزوج أن من أسباب صراخ زوجته- حتى يعرف أن يمتص غضبها، ويتعامل معها بشكل أفضل- أنها تشعر بضغط المسؤولية عليها، وتكون غير قادرة على الموازنة بين بيتها وبيئتها، وتريد أن تنجح وبامتياز في الجانبين؛ مما يشكل عبئًا نفسيًّا عليها.

تدور أحداث القصة ما بين الشارع العمومي (شارع البحر) وبين السنترال في النصف الأول من القصة، وفي النصف الثاني المكان شقة الزوجية، وقد وصف الكاتب المكان الذي دارت فيه القصة من خلال الأحداث السردية، في تداخل وتناغم بين الوصف من جهة وبين دور كل جزئيات المكان كبطل صامت داخل النسق القصصي من جهة أخرى؛ فقد رسم النص السردي باب السنترال، سلالم مبنى السنترال، الباب الزجاجي لبهو السنترال، بلاط البهو الرخامي، الكراسي البلاستيكية للانتظار، الكبائن المفتوحة الأبواب، والعامل المشترك في وصف البطلة لبهو السنترال وصالة شقتها هو بلاط الأرضيات، فالسنترال به رخام، أما أرضية الصالة المبلطة بسيراميك أبيض منقط بنقط رمادية صغيرة، لا، ليست نقطًا؛ ولكنها بقع رمادية، قالت له ذلك وهي فرحة، وقالت أيضًا بصوت بدا عاليًا دون أن تنتبه: إن لونه يجنن، فمن الواضح أن "نورا" مغرمة بالتشطيبات خاصةً السيراميك والرخام.

ذكر الكاتب أسماء شخصيات أبطال القصة، فالزوجة البطلة الرئيسة "نورا حسانين" وأولادها مازن (الكبير: قبضت على ذراع الولد بعنف؛ فهو طفل شقي، "تنادي على الولد كي لا يبتعد عنها"، "وكان مازن يقف بجوارها يشد في بنطلونها")، مريم (الصغيرة: "حملت البنت"؛ "حتى لما كانت مريم لا تكف عن محاولاتها المستمرة لشد التليفون، لم تنظر إليها، فقط كانت تبعد برأسها عن مدى استطالة ذراع مريم")، وكما هو واضح فإن اسمي الولد والبنت يبدآن بحرف الميم (م)، أما الزوج فهو مسافر لـ "أبو ظبي"، وكان أهم أسباب ذهاب "نورا" للسنترال لمكالمة زوجها هو أن "تحكي له عن غيبوبة السكر التي دخل فيها والدها من يومين".

وحتى لا تكون القصة سوداوية ومليئة بالحزن وفقط، وأنه بالتأكيد يمر الإنسان بمشاعر الحزن، وفي المقابل تمر عليه لحظات سعادة وفرح، وأحاسيس إيجابية، فبيت "نورا" هو مصدر البهجة: (وحين اقتربت من البيت كانت قد نسيت بكاءها، وراحت تشعر بخفة هائلة في جسدها وهي تصعد السلالم، ابتلعت كمية من الهواء غير عادية، سرعان ما أخرجتها بسهولة وكأنها تخلَّصت من حجر ثقيل كان فوق صدرها، وحين وصلت إلى الباب، شملتها تلك الفرحة التي اعتادت عليها منذ أن امتلكت هذه الشقة، فها هي أخيرًا أصبح لديها مكانها الخاص، وكان عليها كل يوم أن تفرح وهي تتذكر لوم أمها المستمر من شقاوة مازن، وتعبها الدائم من خدمة العائلة في بيتهم القديم).

أضحى الخوف والقلق من مشكلات العصر، التي يعاني منها الكثيرون، وينجمان عن تواتر الأحداث اليومية وسرعتها، والضغوط سواء في العمل أو المنـزل، أو في الحياة الاجتماعية، أو حتى الخوف من الفشل، وتختلف أسبابهما من شخص لآخر، وهنا "نورا" بطلة قصة "غضب مختلف"، وبسبب سفر زوجها للعمل بإحدى دول الخليج، ولتحملها مسئولية أولادها في غياب زوجها، ومرض أبيها، فهي تتعرض للضغوط المستمرة (الضغوط الحياتية)، فالمواقف الصعبة والشديدة تعرض الإنسان للشعور بالخوف، وكثرة التفكير والقلق، وعند الاستسلام لهذا الخوف قد يتعرَّض الإنسان للإصابة بالاكتئاب (لأنها حين دفعت الباب الزجاجي لبهو السنترال لم تكتشف أن أصابع يدها مضمومة بعصبية، وأنها ظلت واقفة لأكثر من دقيقتين ساهمة بلا سبب)، وقد يتعرض الإنسان أثناء حياته للكثير من الصدمات النفسية، والتي تؤثر فيه تأثيرًا سلبيًّا، وفي حالته النفسية، والتي تؤدي إلى الخوف الشديد، والذي يكون غير مبرر، والشعور المستمر بالقلق في الأمور العادية، (ولما قامت تجري إلى التليفون لم تكن تدري أنها لا تزال تضم أصابع كفها بعصبية)، ويؤدي التفكير الزائد في المستقبل والخوف إلى الإصابة بالقلق المرضي، والخوف من تخطي العقبات التي من الممكن أن يواجهها في المستقبل؛ مما يتسبب له في الخوف والتوتر والقلق بشكل مستمر، (في طريقها إلى البيت فكرت أن كل الوجوه التي رأتها في بهو السنترال، كانت تمامًا تشبهها، مسهدة وخائفة، لقد طمأنها هذا الخاطر وفرحت به)، ويعد التفكك الأسري من أهم العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بالخوف والقلق الشديد، ويؤثر في الأطفال بوجه خاص (مازن ومريم)، كما يجعل الزوج مغتربًا بـ"أبو ظبي" للعمل من أجل تأمين لقمة العيش لأسرته، والزوجة تعيش بمصر مسئولة عن ولَدَيْها يعانيان في تعاملاتهما مع المحيطين بهما، (لقد جهزت السندوتشات على ترابيزة السفرة؛ لأن النجار وعدها بتسليم المطبخ بعد أسبوعين، كانت غاضبة وقلقة؛ لأن النجار يماطلها، وهي لا تعرف كيف تتصرف معه)، لا بد من الحرص على أخذ قسط من الراحة في الأوقات التي تزيد فيها الضغوط النفسية، (ربما الآن أخذت حمامًا، وأطلقت شعرها الذي كانت تخبئه أسفل إيشارب تعمدت أن يخفي ملامح وجهها حرًّا، تهبط أطرافه على ترابيزة الصالون، وهي تكتب الخطاب الذي وعدته به، أقسمت أنها ستكتبه قبل أن تنام، قالت: وحياتك عندي سأكتبه الليلة).

المرأة كائن عاطفي أكثر منه عقلانيًّا؛ لذلك تبالغ في انفعالاتها أحيانًا، ولا تعرف أن تسيطر عليها خاصةً في المواقف التي تشعرها بالغضب والحزن، فتتبلور انفعالاتها في صورة بكاء هيستيري أو صراخ، (لقد صرخت فجأة بصوت، تعمدت أن تكتم نهايته، مش قادرة أسمع حاجة، بكت مريم لما أنزلتها إلى الأرض بقوة، ولم تستطع أن تطلب منه أن يتوقف قليلًا لتنظر إليها، كان يتكلم بلا توقف بلا توقف، حتى تضايقت منه إلى الحد الذي كرهته بشكل مفاجئ؛ لهذا حين سألها عن الأولاد صرخت)، إن هذا الصراخ تنفيس لأحاسيس دفينة في قلب الزوجة، فمسئولية الأطفال، وواجبات البيت ليست هينة، وكلها يقع على عاتقها كزوجة غاب عنها زوجها لظروف سفره للعمل خارج البلاد. وتصرخ نتيجة معاناتها من الجفاف العاطفي، (الآن يغمرها شعور بالحزن، ربما أغضبته، هي أحست بذلك حين قالت له وهي غاضبة: مازن نفسه يشوفك، ومريم لما شافت صورتك قالت: عمو).

وجلوس المرأة أو الزوجة في البيت مع الأولاد فترة طويلة دون راحة يؤدي إلى اختناقها (انسحبت إلى غرفة الأولاد، اطفأت النور، وعادت إلى الصالون، حملت بإهمال الخطاب الذي لم تتم كتابته، ووضعته في درج البوفيه، تأكدت من غلق الباب والشبابيك، دخلت إلى حجرة نومها، أضاءت كل أنوار الغرفة؛ الأباجورات الموجودة على جانبي السرير، النجفة المعلقة في السقف)، فكثرة صراخ الزوجة لأنها لا تحصل على كفايتها من الحب والحنان والاهتمام، وتشعر بأنها مستهلكة، تتعب في تربية الأبناء داخل البيت، وزد على ذلك باقي الأعباء، وكل ذلك يؤثر على نفسية المرأة التي يغيب عنها زوجها بسبب سفره.

صدر العدد الثاني من مجلة أوراق ثقافية عام 2019، عن إقليم شرق الدلتا الثقافي التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة تحرير الشاعر سمير الأمير، وفي صفحتي 61 و62 من العدد نشرت القصة القصيرة المعنونة "غضب مختلف" للكاتب يسري أبو العنين.

يظهر أن أحداث القصة دارت في عصر ما قبل انتشار التليفونات المحمولة؛ أي: في بدايات القرن الحادي والعشرين، أو نهاية تسعينات القرن الماضي، فلم يكن بمقدور الأسر المصرية من أبناء وأمهات وزوجات التواصل مع ذويهم بخارج مصر، إلا عن طريق الذهاب لأحد السنترالات العمومية، وطلب مدة أو أكثر للتواصل، أما الآن ومع انتشار الهواتف النقالة، ومواقع التواصل الاجتماعي، وشبكات الإنترنت أصبح الأمر أبسط وأسهل بكثير عن ذي قبل، فليس معقولًا أن يوجد تطبيق كالماسنجر أو الواتساب والبطلة ستمسك بالورقة والقلم، وتكتب خطابًا لزوجها المسافر بدولة ثانية وبعيدًا عنها!